Translate

الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

أرخبيل

في أجواءٍ قاتمةٍ سائدة ِ العتمة ،انبعثَ من التلفازِ ضوءٌ صارَ روح المكان ، وعلى الأريكةِ جسدٌ لا يتشابه مع الأريكةِ الا في خيزرانيةِ القوم ،وغضاضةِ الملمس، هي كجزيرةٍ ممتدة على مساحةٍ تستغيث من مطاطيتها ونعومتها وبلوراتٍ مضيئة نصف مخبأة .. فقد تحررت من كل ما يحول بينها وبين أريكتها ،بحثاً عن "الرحرحة ".. 

تمدُّ يدها لطبقِ الكرز .. ،تتناول واحدةً ..فتقف الكرزة بين الشفتين ِ نصفَ ثانية وهي ممسكة بأصابعها طرف الكرزةِ المنتظرة أن تنفقِع بأسنانها في أي لحظة .. لكن شرودَ خيزرانيةِ القوامِ كان طويلا .. متجهمةٍ أمام التلفاز ..ثم تلته عقدةٌ في الحاجبين دلت على استيائها من شئ ما ...

صوت المذياع اخترق الصمت ، فضغطت باسنانها على الكرزةِ لتفقأ كرويتها .. ثم تبلعها بصعوبة .. 
لم تستطِع أن تتحمَّل حديث المذيع ، أمسكت جهازَ التحكُّمِ عن بُعد ،وخفضت صوت التلفاز الى صفر ..
ثم أزاحت طبق الكرز بيدها بعيداً ،وكأن الله استجاب دعوةِ الكرزاتِ بأن لا تؤكل ..

سمعت صوتاً آخراً آتياً من الحمّام ، شعرت أنه استيقظ ،ضوء الحمّامِ شديد دليلٌ على أن بابه مفتوحٌ ولم يُغلق 
، ذهبت باتجاه الحمام لترى ماذا يفعل ..؟
انه يحلق ذقنه ، فالصوت كان صوت شفرة الحلاقةِ تحفُّ الذقن التي ثقلت ..
اقتربت منه بعد أن استوسمتهُ بعد الحلاقة .. مدت يدها تتلمس مكان الحلاقةِ الخالي من اللحية ..
وكأنها كانت تفتقد إحساس الذقن المحلوقة ، وكأنها ستؤدي دور ممثلة إعلان شفرات الحلاقة الآن ،وكأنها تريد أن تكافئَه على ذلك الشعور ، أمسكت بشفرةِ الحلاقةِ ..وأكملت حلقَ الباقي من ذقنه وشاربه .. وكأنها تحصد أرضا ً بنهم ، اجتثت كل أوجاع انتظارها له وهو مُطاردٌ بسبب هذه الذقن ، نزعت منه الإحساس بالتدينِ الظاهري فقط .. 
نظرت اليه بعينيها .. ثم أمسكت بوجهه بين يديها .. ونظرت لثغره وهو يبتسم ..
أرادت أن تقبّله .. قبلةً تكافئه بها على ما فعل ، اقتربت واقتربت .. 
فالتحما معاً .. لتأتي قذيفة صاروخية .. تقصفهما معاً ... وتسقطهما أشلاءً متناثرة 
لتتحول الجزيرة التي كانت ممتدة منذ لحظات على الأريكة ِ الى أرخبيل ..والكرزُ الأحمرُ متناثراً حولها

الخميس، 26 يونيو 2014

كورونا

في حياةٍ سابقة ...اغتمنت كرم الاحتمالات وحلمت بحياة أخرى فتحققت ،وها انا مرة أخرى أشاهدني في تلك الحياة والعدم يقتات عليّ ،كم كنت لا مباليه !
كم كنت عابثة ، كانت أمسياتي حالمة ،وقهوتي تدفئُ مقعدي ،وصوت مطربتي المفضلة
يتعانق مع بخار الفنجان ،وأنا ..أنا ..
أشد المناديل من علبتها عابثة ،فاذا بي اعطس بالفعل فجأة ..هل نادت المناديل على العُطاس حتى يصيبني لتنتقم مني؟

شعرت أنني آتيةٌ من الزمن الرابع والتسعون قبل الهذيان ،ماهذا الذي أراه أمامي ؟
وكأني مت قبل الآن وشهقتني الحياة من جديد في مخاضٍ طويل ، لفظتني منها فصرت لها ممتنة لكني لا أكف النظر اليّ في ذاك الركن وانا احتسي قهوتي ،فأعطس ..فأهذي ..ثم أترنح ..فأسقط مغشيّا عليّ ..صوّب الموت رصاصته نحوي فسقطت ،لم أدرك أن العطسة قد تقتل بعد أسابيع ،هذا هو عصر السرعه ..حتي العطاس ورائه الكثيرين ليقبض ارواحهم غيري

لا شئ عالقٌ في قلبي سوى بضع كلمات انتشيت بها قبل موتي ،اردت ان اعاد للحياة مجددا لكي لا اسمعها ...هل يمكن اليوم ان اقصها من شريطِ حياتي .. لا ادري هل يسمح لي القدر بهذا ام انني اصبحت في عداد اللحظة المستهلكة ..

ياالله هل تلك الغصة التي اصابتني في حلمي تحققت ؟لم اكن اعلم ان للموت علامات
..


يالغفلتي ..كم هي صغيرة تلك الدنيا ،وكم كنت انا اصغر ..واصغر ..حتى تلاشيت واصبحت هنا الآن عكس ما كنت اراني في مرآتي المخادعة التي كانت تظهرني لنفسي كبيرة ،لا يوجد بي الآن الا بقايا وجه ..

اغتصب الألم العقاقير والمسكنات ،لم أعد اشعر سوى بألم في العمق ووجع على السطح وبينهما مزيج من التأوه والتمتمة 

كنت اريد ان التزم الحياة ..أخبر ذاتي أننا سنشفى ..لكني كنت اشعر بعدها باللاشئ ، ..ثم تآكل ثم تيه وفقد

التضائل بالنسبة لي اصبح اسلوب حياة ونمط اجباري ،تضائلت حتى فنيت وفي بضع ثوانٍ ،الموت الذي ارسل لي كان رحيما ،فقد أخذ روحي في بضع ثوان على يد فيروسة لا تمزح اسمها كورونا

تجاعيد

إنهم يهرِمون ..
يمضي بهم العمر وتمضي بهم السنين .. ليرسم كل يوم يمرُ من اعمارهم خطا على وجوههم ..
أو بصمة على جلدهم ..أو مرضا مزمنا يصاحبهم فيما تبقى لهم من أيام معدودات
هل سأل احدنا نفسهُ يوما .. عندما ينظر في تجاعيد هؤلاء التي تظهر على وجوههم .. كيف يستطيع أن يمحو تجاعيد الأسى ومرارة الايام من قلوبهم؟

صورة

إذا لم نستطِع ان نمحو طلاسم ورموز الزمن من فوق جلودهم .. فنحن نستطيع أن نمحي الأسى والحزن وكل مرارةٍ من اعماق هؤلاء
انظر الى عيني جدتك .. انظر الى يداها .. رقبتها .. 
ثم امعِن النظر في جبين جدك .. 

صورة
صورة
رغم الشيخوخه والزهايمر فإنهم يتذكرون الحنان ..
تحنو يد جدتك عليك حينما تتألم .. وتنساها انت في عز أوجاعها 
يمد جدك يده بالمساعدةِ لك حين تضيق الدنيا بك .. رغم ضعفه وكهالته .. وأنت لا تذكره حينما يشعرُ أنه مُهمش 
إن الضياع الذي يشعر به هؤلاء .. ليس من فراغ ..

صورة


إن ما نمارسه نحوهم من تهميشٍ ليس مقصود ينعكس عليهم .. نرى الصمت من أفواههم ولكن عيناهم تذرف دموعا وقلوبهم تستصرخ ألما ولوعة ..

صورة

نعم قلنا كثيرا عنهم انهم راحلون لا محالة .. كلامهم عتيقُ ولا يعرفون لغة العصر .. استهترنا بمشاعرهم .. وسكبنا جام غضبنا من الماضي فوق رؤوسهم ونعتناهم بالقدماء الذين لا يعرفون سوى البدائية في كل شئ
لا زال هناك وقتُ للإصلاح .. 

صورة

رفقا بهم .. احتووهم واحتضِنوهم ..مروا عليهم في المساءِ وغطوهم في بردِ الشتاء..
شاوروهم فيما يخصكم وستجدون ان حكمة الماضي أعمق من كل ما هو عصري ..
لا تهمشوهم وأشعروهم انهم مازالوا على قيد الحياة بـ اهتمامكم بهم ..
حتى لو أصابهم الصمم .. كلموهم بطريقتكم ..
حتى لو أصابهم الزهايمر .. يكفي ان تحتضنوهم ..

صورة

عودوا إاليهم وقبلوا تجاعيد أيديهم قبل أن يتحولوا إلى رفاتٍ وعظامٍ بالية 
وعندما تخلدون للنومِ ستأتي أرواحهم تؤنبكم .. وتوقظ ضمائركم .. وتحاسبكم
تداركوهم قبل فوات الاوان .. والندم على ما كان

صورة



بقلمي الذي تحرك شجنا في ذكرى وفاة جدتي
رحمكِ الله ياجدتي ورحم جميع أموات المسلمين

خدر

غُصني متعرِّج وهذا ما يميزه ..
فالغصن المستقيم المنزلق الناعم يستخدمونه كعصا لجلد طفل صغير أو كيد سوطٍ يسقط على ظهر أحدهم ..

فليست الاستقامة والمظاهر السطحية دليل على القدسية .. بل انها تستخدم أحياناّ في اسوء الأمور التي لا يتخيلها عقل , فلا يغرنكم استقامة أغصان الشجر 

وحتى النعل الذي تظن أنه يقيك شر الالتصاق بالارض أحياناّ يخذلك .. فعندما تجلس على شفا هضبة ما وتدلي قدماك وترنحها في الهواء تخشى على نعلك السقوط وتحاول ابقائه في وضع التعلق بأصابع قدمك .. حينها يحاول نعلك جاهداً التملص منك فالسقوط سيحرره منك على أي حال 

صورة


حتى النعال ذات الكعب العالِ .. إياك ان تظن أن النساء ترتديها لزيادة أطوالهن .. النساء يجدن استغلال أبسط الاشياء .. حتى الكعوب 
فهن يعلمن ان الكعوب ستقيهن الحصى المتطاير على الارض ..

فأسباب الاشياء قد تكون امامك بديهيه ولكن قد يكون لها عمقاّ انت تجهله .. فلا تحاول ان ترتضى بتلك البديهات السطحية وابحث دائماّ في العمق 

صورة

انك لا تختزل عوالم الاشياء اذا بحثت في اعماقها بل انك تنتج لنفسك عالماّ آخر قد يظنه البعض خيالياّ ولكنه لا يخرج عن الواقع في شئ 

وحتى إن اضطررت لان تغمض عينيك وتغيب عن الواقع وتصاب بالخدَر فإن الخدرفي حد ذاته لذيذ ..
خدِّر كل خلية فيك ..ستحظى حينها بفرصة تحليق بين سحابات الواقع ولكن بمنظورك 
الخاص



بقلم أصابه الخَدَر

رذاذ

بمجرد دخولي لذلك المنزل علمت أني سأغتسل بعرقِ الذكريات ، تلك الأشياء القديمة التي تستوطن سطح هذا المنزل تحكي قصصاً كثيرة .



هولُ قديم كانت جدتي تطحنُ فيه التوابل مع الثوم ،
لوحاتي الأولى في بداياتها وأول مخططات يدي للرسم ،كنت صغيرة وقتها.. نظرت بها طويلاً تلك اللوحات .. وشردت بل أني لم أستطع تحريك ناظريّ عنها ، شعورٌ غريب أن ترى نفسك قديماً وتتذكر كل الحقبة الزمنية التي رسمت فيها هذه الخطوط ، وكم كان الاسلوب بسيطاً .. والحياة سهلة ، ابتسمتُ ابتسامة خفيفة عندما أدركت انها كانت مناسبة بالنسبة لسنّي .

أرجوحة صنعها جدّي لي من الحبال القوية مازالت موجودة ولم تبلى تلك الحبال ، ولكن جدي رحل وهي بقيت ،هذه الحبال تجسد جدّي بالنسبة لي، لم تشتكِ يوما من حمل جسدي الصغير وها انا اجربها اليوم ولم تشتكِ أيضا من حمل جسدي الكبير ، نظرت للسماء وانا أتأرجح .. شيء همس بداخلي أن .. شكرا جدّي تركت لي ذكرى طيبة

أدركت اليوم معنى الاحتفاظ بالماضي ، لا طريقة يمكن ان نوقف بها الساعة غير هذه الطريقة .



حقيبة كبيرة في زاوية غرفة نصف مكتملة البناء على السطح ، اقتربت منها واتجهت اليها بخطواتٍ سريعة طامعة في الغرق في المزيد من الذكريات ،هذا الشال الاحمر على وجه الحقيبة اهداه لي أبي يوم عيد ميلادي الثاني عشر كان وقتها الطقس بارد ، فانا من مواليد الشتاء .. ما زال الشال محافظاُ على رونقه 

صورة

ولزجاجات العطر الفارغة قصةٌ طويلة معي مداها هو ما مضى وما سيأتي من عمري ، باستطاعت انفي التقاط رائحة العطر الذي كان بها ، الزجاجات هنا كثيرة ، لأني كنت اغير العطر كل عام ليعبر عن عامه ، فبمجرد شم رذاذ ذلك العطر المنتشر في الهواء استعيد احداث عامٍ كامل من عمري .. متوالية أمامي بكل تفاصيلها المفرحة والمحزنة .

هذه الزجاجة أحبها كثيرا رائحتها تذكرني باليوم الذي حصلت فيه على المركز الاول على صفيّ ، لم أشعر بالانصاف يوماُ بقدر هذا اليوم ..كنت أشعر باضطهاد شديد في بدايات مراهقتي كان السعوديات يحصلن على المركز الاول فقط وانا اما الثاني او الثالث ، تلك الزجاجة تجسد لي فرحتي بيوم حصلت على المركز الأول لأول مرة 


هكذا يكون تجميد الوقت ، فما حياة الانسان الا زجاجات عطر فارغة احتفظت كل زجاجة فيها بكل الأحاسيس التي اقتحمت كيانه عبر الزمان 

صورة

بوح الثوب البالي

. رأيت الخزانة تمتلئ بالكثير من أحدث الفساتين وأجدد الثياب ,
ما زالت ببريقها ..

وما زالت ورقة المصنع معلقة في رقبة كل ثوب .., 
يوما ما كنت مثلها .. وكنت سعيدا بأن وجدت خزانةَ تحتويني , وكانت فرحتي عارمة عندما أشعرتني تلك الخزانة انها بيتي , لقد قضيت عمرا طويلا بها , وكنت وفياً لصاحبتي كثيرا , فقد ارتدتني في اجمل المناسبات , وكثيرا ما عاصرت مواقف حزن و فرح معها , وكثيرًا من الذكريات التي كنت ابتلعها في ذاكرتي بصمت , بطريقة تتناسب مع طبيعتي كثوب 

ولكن !

وأنا الان أمام تجربة إعادة تصنيع , أو ربما امام تجربة انتقال من شخص لآخر ,والاخر قد يكون شخصا في جمعية خيرية , أو فقير يشحد , كان حلما له ان يرتدي ثوبا مثلي في يوم من الايام ,
لا أعلم حقا أين سيكون مصيري



الا ان الزمن والايام خذلتني وستضحي بي صاحبتي في اول زرٍ سقط مني , وأول مزقٍ أصابني , فلم تكترث لحالي وتُبقي عليّ أو ان تفكر في إصلاحي وارتدائي مجددا وفاءّ لكل ما بيننا من تاريخ , ولكنها لم تفعل
فلقد أخرجتني اليوم من خزانتها وطوتني ووضعتني في صندوقٍ من الكرتون .. استعدادا ً لتضحي بي ,, 

كم أنا حزين !! .. كم أشعر أن وفائي لها .. كان غلطة .



فقد قررت ان أبوح بكل أسراري هنا قبل ان اواجه مصيري بالتمزيق في اعادة تصنيعي, لانه يقال ان ذاكرتي ستتأثر مع اول مقصٍ ينهش نسيجي .. وأول فراق بين غرز الخياطةِ في جسدي 


واعلم ان تمزيقات المقص ..لن ترحمني .. وسيسمع القاصي اصوات مزع اجزائي قبل الداني , وستظهر الفتلات من بين جسدي كاالريشه .. فقد تنسلت وصرخت من ألم التنسيل .. وصرخات فتلاتي .. ستجعلني أحتضر وحينها سأدرك اني في طرقيللفناء 



أعلم أني لم اكن الثوب الأجمل من بين ثياب الخزانة , و لكن لوني الزهري وروعة تصميمي واختيار صاحبتي لي بارتدائي في المناسبات الجميلة ,, كان كل هذا يبقيني على ثقة أنه لن يأتي يوم عليها لترميني .. بحكم اني شاهد على أيام من أحلى ايامها .. ومواقف وذكريات رائعة بالنسبة لها .. كنت أظن انني حين امتص عرقهاسأصبح جزءاً منها .. 


ولكنها لم تبالي بثوب مثلي .. فقد اغرتها الاثواب الجديدة واصبحت تتجاهلني مؤخراً .. كنت أناديها دوما حتى تلبسني .. ولكن سرعان ما أرى يدها اتجهت الي شماعة ثوب آخر فالتقطتها .. وأعتمت الخزانة بغلق بابها .. كنت ادعو في سري بأن تخلعه وتتذكر اني كنت أليق عليها أكثر منه فتقرر ان ترميه هو و تعود لي فترتديني انا .. ولكنها حتى في حالة حدوث ذلك .. كانت تلجأ لثوب ٍ آخر 



كنت ثوبا مبهراً تعلو ياقتي الانيقة الكرانيش المهندمة .. بدرجة من درجات الزهري .. وتتخللها بضع خرزات تشكل وردة .. 


أذكر ان اول من سقط من جسدي هي تلك الخرزات .. كنت حزينا لاجل سقوطها كثيرا .. ولكني قلت لا بأس لن تؤثر بالتأكيد على شكلي فكلي اغرائات .. مازال لدي اكمام طويلة في نهايتها ازرار ملونة .. ولدي حزام يتمركز في منطقتي الوسطى , حزامُ من الساتان المستورد به زخارف مخملية .. ولمعات الساتان براقة .. وتتعاشق معها نعومة المخمل ..

والذي يزيد حزامي جمالا هو اللون الاسود فقد كان ظاهرا جدا في جسدي لان باقي الاجزاء وردية وفاتحة ..فقد كان حزام بارز , وملفت كثيرا ..


كنت ثوبا ثريا .. وكان شعوري أيضا شعوراً ثريا ..فعندما كانت صاحبتي تختارني لأرسم جسدها ..كانت تغار مني بقية الثياب , عندما تراني ابرز جسد صاحبتي وأجسد كل جزء منه بطريقه ناعمة وحالمة ... وكيف لا فقد كانت ترتديني ليراها بي حبيبها ..فكان الزاماَ علي ان اجعلها في أبهى مظهر 

أذكر ذلك الموقف حينما سقطت عينا حبيبها علي كنت خجلاّ اكثر منها .. فلم يترك ذلك الحبيب قطعه مني الا ونظر اليها بشوق ,, لم اكن أدرك ان في العالم مشاعر كهذه .. فقد شعرت بطويات غريبة حينما لمسني حبيبها .. ولأول مرة أشتم رائحة كائنٍ بشري آخر غير حبيبتي .. فقد غمرها وغمرني معها .. وذاب ثلاثتنا معا في دوائر تلك الغمرة 

كل شيء الان سينتهي .. فها هي صاحبتي ستحمل الصندوق الكرتوني الذي يحتويني ..ستنتهي التجارب والذكريات لسبب واحد فقط وهو اني أصبحت ثوبا بالياً, فماتت كل الذكريات ولم يعد لأصدائها قيمة في ذاكرة صاحبتي ..
ما يزال لدي الكثير لأخبركم به ولكن لا محاله فقد اقتربت النهاية ..



وعلى كل حال احمد الله ان مصيري 
سيكون ارحم من ان اعامل معاملة منشفة مطبخ

الجاثوم

بين البررخ والواقع شعرة ..تكاد تنقطع بمجرد ان تنفتح الأعين ،لكن ماذا لو انفتحت الاعين وكل خلية فيك مازالت تحت قيد الأحلام؟..
هناك ممالك أخرى كنت أحياها خارج نطاق الحقيقة كنت اقتات منها لأكمل الواقع بكل منعطفاته ..وبكل انهزاماته
كنت انا المرأة التي لا ساعة في يدها ..ولا عقرب حولها الا العقارب البشرية ..، كنت اقيس حياتي طبقا للاحداث التي تحدث لنساء أخريات ..
،اليوم نجحت في الثانوية العامه يوم تقاعدت خالتي عن وظيفة مدير مدرسة ،واليوم الذي تزوجت فيه اختي كنت اضع المكياج لاول مره ،هكذا هي حياتي ..يقاس فيها الحدث بالحدث ..حتى جاء الجاثوم وابتلع كل الأحداث.

لا ادري هل أصابني الجاثوم لان لدي مخيلة سوداء كدفاتري القديمة ؟
أم انه احتضنني خوفا عليّ من لذة الاستغراق في الحلم ..فلا استطيع بعدها اكمال الواقع؟

انه غبي ..لا يدرك انهما اراه في الاحلام ليس سوى خيالات.. يظن انني السيدة التي لديها كل الوان الطيف في احلامها
رغم اني استيقظ احيانا ولا اذكر الا ذلك اللون الاحمر ..الذي كان يملؤ عيناي حين انام ..
كانت تسألني امي بماذا حلمتِ امس ؟
أخبرها اني حلمت بشئ احمر ظل مستمرا في العرض كالارسال التلفزيوني الذي يلي النهاية 
لكن هذه المره اصابني الجاثوم يا أماه ..

تقلصت يداي وتوقفت عن الحركة ..لانهما عاريتان من الاحتواء
..
وقدماي وساقاي ..تجمدتا تحت جليد الاحلام ..
لم تنفتح الا عيني ..وظل جسدي تحت سيطرة الجاثوم ..
اما انه لا يستطيع مقاومتي ، او انني انا التي قمت بإغرائه ..
حررني ايها الجاثوم قبل ان انتقل للبرزخ ...حررني يارسول الموت ..انا لست امرأة على دين الضلع الاعوج الذي خلقت منه حواء..
لا تعاقبني .. بذنب أخريات ارتكبن الرذائل في الحقيقه فتظلمني انا لأني ارتكبتها في الأحلام..ايها الجاثوم الظالم

حسنا ياجاثومي ..لك ما تريد ..لست عاجزة عنك ..سأفترسك بطريقتي ..
ان كنت قد خدرت يداي وقدماي وكبلتني لتمارس عليّ تعذيبك ..فسأمارس عليك عذابا من نوع آخر
سأسلط عيناي عليك ..فقط عليك ..لم تترك لي شيئا اتحكم به سوى عيناي ..لذا فلتتحمل 

بعد ثلاث ساعات من التجمد ..
قبلها الجاثوم ..ورحل عنها في سلام .


الجاثوم هو مرض يصيب النائمين بالشلل 
تكون الأعين فيه فقط مفتوحة