Translate

الخميس، 26 يونيو 2014

رذاذ

بمجرد دخولي لذلك المنزل علمت أني سأغتسل بعرقِ الذكريات ، تلك الأشياء القديمة التي تستوطن سطح هذا المنزل تحكي قصصاً كثيرة .



هولُ قديم كانت جدتي تطحنُ فيه التوابل مع الثوم ،
لوحاتي الأولى في بداياتها وأول مخططات يدي للرسم ،كنت صغيرة وقتها.. نظرت بها طويلاً تلك اللوحات .. وشردت بل أني لم أستطع تحريك ناظريّ عنها ، شعورٌ غريب أن ترى نفسك قديماً وتتذكر كل الحقبة الزمنية التي رسمت فيها هذه الخطوط ، وكم كان الاسلوب بسيطاً .. والحياة سهلة ، ابتسمتُ ابتسامة خفيفة عندما أدركت انها كانت مناسبة بالنسبة لسنّي .

أرجوحة صنعها جدّي لي من الحبال القوية مازالت موجودة ولم تبلى تلك الحبال ، ولكن جدي رحل وهي بقيت ،هذه الحبال تجسد جدّي بالنسبة لي، لم تشتكِ يوما من حمل جسدي الصغير وها انا اجربها اليوم ولم تشتكِ أيضا من حمل جسدي الكبير ، نظرت للسماء وانا أتأرجح .. شيء همس بداخلي أن .. شكرا جدّي تركت لي ذكرى طيبة

أدركت اليوم معنى الاحتفاظ بالماضي ، لا طريقة يمكن ان نوقف بها الساعة غير هذه الطريقة .



حقيبة كبيرة في زاوية غرفة نصف مكتملة البناء على السطح ، اقتربت منها واتجهت اليها بخطواتٍ سريعة طامعة في الغرق في المزيد من الذكريات ،هذا الشال الاحمر على وجه الحقيبة اهداه لي أبي يوم عيد ميلادي الثاني عشر كان وقتها الطقس بارد ، فانا من مواليد الشتاء .. ما زال الشال محافظاُ على رونقه 

صورة

ولزجاجات العطر الفارغة قصةٌ طويلة معي مداها هو ما مضى وما سيأتي من عمري ، باستطاعت انفي التقاط رائحة العطر الذي كان بها ، الزجاجات هنا كثيرة ، لأني كنت اغير العطر كل عام ليعبر عن عامه ، فبمجرد شم رذاذ ذلك العطر المنتشر في الهواء استعيد احداث عامٍ كامل من عمري .. متوالية أمامي بكل تفاصيلها المفرحة والمحزنة .

هذه الزجاجة أحبها كثيرا رائحتها تذكرني باليوم الذي حصلت فيه على المركز الاول على صفيّ ، لم أشعر بالانصاف يوماُ بقدر هذا اليوم ..كنت أشعر باضطهاد شديد في بدايات مراهقتي كان السعوديات يحصلن على المركز الاول فقط وانا اما الثاني او الثالث ، تلك الزجاجة تجسد لي فرحتي بيوم حصلت على المركز الأول لأول مرة 


هكذا يكون تجميد الوقت ، فما حياة الانسان الا زجاجات عطر فارغة احتفظت كل زجاجة فيها بكل الأحاسيس التي اقتحمت كيانه عبر الزمان 

صورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق